ملتقي الأخوة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير سورة الاعلي الجزء الثالث

اذهب الى الأسفل

تفسير سورة الاعلي الجزء الثالث Empty تفسير سورة الاعلي الجزء الثالث

مُساهمة من طرف أبوأنس الإثنين يونيو 01, 2009 4:40 pm

وهذه النار الكبرى المراد بها نار الآخرة؛ لأنها نار عظيمة فظيعة شديدة.

وأما نار الدنيا، فإنها بالنسبة إلى نار الآخرة، فإنها تعتبر ضعيفة؛ ولهذا ثبت في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عن نار الدنيا: ما ناركم هذه إلا جزء من سبعين جزءا من نار الآخرة فنار الآخرة تفضل على نار الدنيا بتسع وستين جزءا؛ ولهذا كانت تلك النار هي النار الكبرى. وهذه النار قال الله -جل وعلا- فيها الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى الذي يصلى النار الكبرى هو الكافر، وأما المؤمن -ولو كان مذنبا - فإنه لا يصلى النار الكبرى، إذا كان المؤمن مؤمنا، واقترف شيئا من السيئات، فإن النار تصيبه ولا تصلاها.

وأما الكافر فإنه هو الذي يصلى النار الكبرى، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أخبر أن الذي يصلى هذه النار الكبرى، إنما هم أهلها الذين لا يموتون فيها ولا يحيون، وأما المؤمن فإنه تصيبه النار بذنوبه، ثم يخرج بالشفاعة، ويلقى في نهر الحياة، فينبت بعد ذلك كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم بعد يدخل الجنة بفضل الله -جل وعلا- ورحمته .

فالنار قد تصيب المؤمن، ولكنه لا يصلاها؛ ولهذا لا يكون الصلي إلا في شأن الكافرين.

قال الله -جل وعلا-: ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا أي أن الكافر لا يموت في النار، بل هو حي، لكن هذه الحياة حياة لا راحة فيها ولا تنفعه؛ ولهذا قال -تعالى-: لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا يعني: لا يحيا حياة يرتاح فيها، وينتفع بها، وإنما هي حياة يتمنى فيها أن يموت كما قال -جل وعلا- عن أهل النار: وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ وقال -جل وعلا-: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا وقال -جل وعلا-: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا وقال -جل وعلا- عن أهل النار: وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ فالكفار لا يموتون في هذه النار، بل هم فيها أحياء حياة كأنها لا حياة بالنسبة لهم؛ لأنهم يذوقون فيها العذاب غدوا وعشيا، وأما أهل التوحيد الذين ماتوا، وعليهم شيء من السيئات، فهم إذا أصابتهم هذه النار أماتهم الله -جل وعلا- ثم بعد ذلك أحياهم، وأدخلهم الجنة بفضله ورحمته، بعد شفاعة الشفاعين.

ثم قال -جل وعلا- قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى قوله -جل وعلا-: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى أي قد أفلح وفاز، ونجا من زكى نفسه، وطهرها من السيئات والمعاصي، ونماها وقواها بالأعمال الصالحة، والإيمان بالله -جل وعلا- فهذا يتزكى.

وهذا التزكي له لا يكون إلا بفعل أسباب الزكاة، وأما نفس التزكي، فإن الله -جل وعلا- إذا أراد بعبده خيرا زكاه؛ ولهذا كانت التزكية لله -جل وعلا- وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ .

وأما العبد فعليه أن يبذل أسباب الزكاة، فإذا أراد الله -جل وعلا- به خيرا زكاه، ومن بذل أسبابها هداه الله -جل وعلا- ووفقه وزكاه، فإضافتها هنا، أو إسناد التزكي له؛ لأنه يفعل أسباب التزكي من الإقبال على طاعة الله، والتفكر في آيات الله ومخلوقاته، والإذعان لأوامر الله، والانتهاء عن نواهيه، وحمل النفس على ذلك، فإذا فعل ذلك كان طالبا للزكاة، وصح أن يطلق عليه متزكيا.

فإذا أراد الله -جل وعلا- به خيرا زكى الله -جل وعلا- قلبه وجوارحه وعمله، فكان من المتزكين، ومن المزكين عند الله -جل وعلا-، وهذا الفلاح في التزكي بينه الله -جل وعلا- في قوله: وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى فهذا هو الفلاح الذي ذكره الله -جل وعلا- في هذه الآية، والله -جل وعلا- في آيات أخرى بين لعباده طريق هذه التزكية، وذلك باتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ .

وقال -جل وعلا-: كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ فلا طريق للزكاة إلا باتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو الطريق الأوحد ليس هناك طريق آخر غير هذا الطريق، من ابتغى طريقا للزكاة غير طريق نبينا -صلى الله عليه وسلم- فهو ضال ومضل.

ومن ظن، أو زعم أن هناك طريقا يوصل به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- غير الطريق الذي جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو كافر بالله العظيم، وذلك بعد بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- فمن قال: إن النصرانية طريق إلى الجنة، وإن اليهودية طريق إلى الجنة، أو أن وحدة الأديان طريق إلى الجنة بعد نبينا -صلى الله عليه وسلم- فهو كافر بالله العظيم؛ لأنه اتخذ طريقا غير الطريق التي جاء بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، والله - جل وعلا - لم يجعل إلا طريقا واحدا إلى دينه وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .

فلا زكاة للعبد، ولا تزكي إلا باتباع ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- لأن الله -جل وعلا- بعثه بأسباب الزكاة، وبعثه بما يزكي به العباد.

وقوله -جل وعلا- وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى يعني: أنه ذكر الله -جل وعلا- فخاف من ربه، وآمن به، ووجل لذكره -جل وعلا- كما قال -تعالى-: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وقوله -جل وعلا-: "فصلى" يعني: إنه صلى لله -جل وعلا- وأول ما يدخل في ذلك الصلوات الخمس التي فرضها الله -تعالى- على خلقه؛ لأن بعض العلماء يقول: إن قوله -جل وعلا-: "فصلى" يشمل عموم الطاعات والعبادات، لكن أولها دخولا هذه الصلوات الخمس التي أوجبها الله -جل وعلا- على عباده، فمن لم يؤدها، فإنه لا يتزكى.

ثم قال -جل وعلا- بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بين -جل وعلا- في هذه الآية أن الكفار يؤثرون الحياة الدنيا؛ لأنهم ينكرون البعث والنشور، فيؤثرون هذه الحياة الدنيا، ويركنون إليها، ويطمئنون بها، ويرضون بها عوضا عن الآخرة.

وقد يبن الله -جل وعلا- جزاءهم على ذلك في قوله -جل وعلا-: إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ .

وأما المؤمنون، فإنهم لا يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة، وإن تمتعوا بالطيبات التي أباحها الله -جل وعلا- لهم؛ ولهذا قال -جل وعلا- في قصة السحرة الذين آمنوا من قوم فرعون: قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا والمؤمن يأخذ من الدنيا نصيبه منها، لكنه يسعى إلى آخرته، ولا يؤثر حياته الدنيا على الآخرة؛ لأنه إذا آثر الدنيا على الآخرة عذبه الله -جل وعلا- وكان من أهل النار، ولكن كما قال الله -جل وعلا-: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وقال -جل وعلا- في قصة قارون: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ .

ثم قال -جل وعلا- وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى أي أن الآخرة خير من الدنيا، ولا شك في ذلك، وأبقى بمعنى أنها أدوم؛ لأن الدنيا تنقطع، وأما الآخرة فلا ينقطع نعيمها أبدا، وهذا كما قال الله -جل وعلا- مبينا أن الآخرة خير من الدنيا: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ .

وقال -جل وعلا-: قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا وقال -جل وعلا-: وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ فدلت هذه الآيات على أن الدنيا، وإن كان فيها متاع إلا أن ما في الآخرة خير مما في هذه الدنيا، كما أنه أدوم مما في هذه الدنيا؛ لأن أهل الجنة خالدين فيها أبدا ينعمون، ويأتيهم من رزق الله -جل وعلا- ومن النعيم المقيم في هذه الجنة خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وأما الدنيا، فإن تمتع بها العبد، فإن مصيرها إلى الزوال، فالآخرة خير منها، كما أنها أبقى، وأدوم.

بما يصلحهم، وهذا مما اتفق عليه أهل العلم، والله أعلم.

أبوأنس

عدد المساهمات : 18
تاريخ التسجيل : 22/05/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى